الدرع النووي الأميركي لماذا تسعى ألمانيا إلى استبداله؟
د. خالد العزّي
Saturday, 15-Nov-2025 06:50

أعادت نيّة الولايات المتحدة استئناف تجارب الأسلحة النووية الجدل حول «التهديد الروسي» في برلين، وسط نقاش متصاعد في ألمانيا بشأن الحاجة إلى الحصول على «دفاع نووي مَوثوق» في حال قرّرت واشنطن سحب «مظلتها النووية» من أوروبا.

تزايُد القلق الألماني من المظلة النووية الأميركية
في مقال نشرته مجلة «شتيرن» الألمانية في 2 تشرين الثاني، تأكّد أنّ ألمانيا تشعر بقلق متزايد تجاه التصرّفات المتقلّبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، خصوصاً بعد إعلانه عن نيّته استئناف تجارب الأسلحة النووية في وقت قريب.
وفقاً للمجلة، تحوّل ترامب من «شريك مَوثوق» إلى «شخصية متردّدة وغير مَوثوقة» بالنسبة إلى دول أوروبا، ممّا جعل برلين تتساءل عن مصير الأسلحة النووية الأميركية المنتشرة في القارة، إذ تتواجد نحو 15 قنبلة نووية أميركية في قاعدة جوية في راينلاند بالاتينات الألمانية، تحت السيطرة الكاملة للولايات المتحدة، التي تُحدِّد متى وكيف يمكن للقوات الألمانية استخدامها.
التحدّي العسكري الألماني: البديل النووي
أصبح هذا الوضع غير مقبول بشكل متزايد لدى القيادة العسكرية الألمانية، التي تواجه تحدّياً صعباً في اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت ستعتمد على الأسلحة النووية لبريطانيا وفرنسا، أو ما إذا كان يجب على ألمانيا امتلاك أسلحة نووية خاصة بها.
في وقت، يُعرب فيه البعض في برلين عن قلقهم من التصعيد النووي المحتمل مع روسيا، يبدو أنّ النقاش حول هذه القضية قد أصبح أكثر إلحاحاً.
فالحديث عن الحاجة لامتلاك أسلحة نووية ألمانية خاصة ليس جديداً، لكنّ التصريحات المتزايدة من واشنطن بشأن تخفيض التزاماتها الأمنية تجاه أوروبا، بالإضافة إلى التوترات المتزايدة مع موسكو، دفعت هذا النقاش إلى السطح مرّة أخرى.
ترامب وتجارب الأسلحة النووية
أثار ترامب الجدل أخيراً بتصريحاته عن استئناف التجارب النووية، وهو أمر يعتبره البعض استعراضاً للقوّة، يهدف إلى الردّ على التطوّرات العسكرية الروسية.
ففي عام 2022، أعلنت موسكو عن نية استخدامها المحتمل للأسلحة النووية التكتيكية في النزاع الأوكراني. وعلى رغم من أنّ الخبراء العسكريِّين مثل البروفيسور زونكه نيتيل من جامعة بوتسدام، يرَون أنّ روسيا لن تجرؤ على استخدام الأسلحة النووية أولاً، إلّا أنّ التصعيد العسكري لا يزال يُشكِّل تهديداً كبيراً بالنسبة إلى أوروبا.
وفي هذا السياق، يُعتقد أنّ الصدام العسكري بين روسيا وحلف الناتو قد يصبح أمراً وارداً إذا شعرت روسيا بضعف الحلف.
الردّ الروسي على التحوّلات النووية
في ضوء التصعيد الحاصل في أوروبا، يرى المحلّلون أنّ روسيا قد تكون تسعى إلى تحقيق تفوّق نووي تكنولوجي، عبر تطوير أسلحة جديدة مثل صواريخ «بوريفيستنيك» و»بوسيدون».
وعلى رغم من تصريحات القيادة الروسية عن هذه الأسلحة، يؤكّد الخبراء أنّها قد تكون جزءاً من حرب دعائية أكثر منها استعداداً حقيقياً لاستخدامها. من جانب آخر، يُشار إلى أنّ روسيا تسعى إلى إضعاف إرادة العدو (الناتو) من خلال التصريحات الرنانة، وتحديداً في ظل استمرار العقوبات الغربية.
الموقف الألماني من الأسلحة النووية
تزامناً، أصبح واضحاً أنّ ألمانيا تشعر بضغط متزايد لتأمين ردع نووي مستقل، خصوصاً في ظل تفاقم التهديدات الروسية. وفي حين أنّ ألمانيا كانت تعتمد تاريخياً على الأسلحة النووية الأميركية ضمن إطار الناتو، بدأت الأصوات تتزايد حول ضرورة البحث عن بدائل في حال قرّرت الولايات المتحدة تقليص حضورها العسكري في أوروبا. وقد يُعزِّز هذا الاتجاه الضغط على الحكومة الألمانية لتطوير سياسات دفاعية أكثر استقلالية.
الموقف المجري من التوسيع النووي
في إطار الجدل حول الأسلحة النووية في أوروبا، ظهرت أيضاً مواقف دولية أخرى، تعكس التوترات المتزايدة في القارة. على سبيل المثال، أصدر وزير الخارجية الألماني، يوهان فادفول، أخيراً إدانة للتجارب النووية الأميركية، لكن في المقابل، اختار الصمت في تصريحات لاحقة في ظل تطوّرات الوضع.
يعكس هذا الصمت التغيّر في المواقف الألمانية تجاه المعاهدة العالمية لحظر الانتشار النووي (NPT)، التي بدأ ترامب التشكيك بها.
وفي موازاة ذلك، أعاد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، تأكيد موقف بلاده الرافض لأي توسع نووي في الاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى أنّ «الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون شريكاً استراتيجياً لأوكرانيا، لكن من دون منحها العضوية الكاملة». وهو ما يزيد من التعقيدات السياسية، في الوقت الذي تتزايد فيه المخاوف من احتمال اندلاع صراع عسكري واسع النطاق في المنطقة.
إذاً، في ظل هذه التوترات العسكرية والتحدّيات الجيوسياسية، يجد الجيش الألماني نفسه أمام خيارَين صعبَين: إمّا الاعتماد على الأسلحة النووية لبريطانيا وفرنسا، أو السعي إلى تطوير قدرات نووية خاصة به.
بينما يظل الموقف الأميركي غير واضح في ظل إدارة ترامب، قد تستمر ألمانيا في إعادة النظر في استراتيجياتها الدفاعية لضمان أمنها في مواجهة التهديدات المتزايدة، سواء من روسيا أو من غيرها من القوى النووية.

الأكثر قراءة